الأحد، 23 أبريل 2017

حوار أحمد عربى مدير آثار معبد الأقصر للمصري اليوم

أحمد عربى مدير آثار معبد الأقصر: حققت حلم ترميم «رمسيس» بعد 26 سنة (حوار)

الإثنين 17-04-2017 22:25 | كتب: سمر النجار |المصري اليوم
أحمد عربى أثناء حواره لـ«المصرى اليوم» أحمد عربى أثناء حواره لـ«المصرى اليوم» تصوير : رضوان أبوالمجد
قال أحمد عربى، مدير عام آثار معبدالأقصر، إن ترميم تمثال رمسيس الثانى كان حلمه منذ عام 1991، ورغم محاولاته المتكررة لإقناع المسؤولين بتنفيذ الفكرة إلا أنه لم يستطع تنفيذها إلا مؤخراً، أي بعد 26 سنة ظل طوالها يحلم بها، ونفذها خلال 6 أشهر بأيد مصرية خالصة وبتكلفة 150 ألف جنيه فقط.
وأضاف، في الحوار الذي تنفرد «المصرى اليوم» بنشره، أن الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، شجعه ودعمه وقال له ومجموعة العمل: «إنتوا هاتغيروا وجه التاريخ، توكلوا على الله»، لافتًا إلى أن الدكتور محمد بدر، محافظ الأقصر، زود فريق العمل بكل الإمكانات والخامات لإتمام عملية الترميم، وأبدى استعداده وفريق العمل لترميم تماثيل أخرى في نطاق المعبدمستقبلًا ولكن بعد دراسة حالتها جيدًا، وإلى نص الحوار:
■ حدثنا في البداية عن حلمك بترميم التمثال؟
- منذ عام 1991 وفكرة ترميم تمثال الملك رمسيس الثانى المتهدم تراودنى، وحينها كنت مفتشًا صغيرًا بمعبدالأقصر، وعرضت الفكرة وقتها على الدكتور عبدالحليم نورالدين، الذي كان المسؤول عن الآثار في ذلك الوقت، ونظرًا لعدم وجود التقنيات الكافية والكفاءات والخبرات العالية، تعطل التنفيذ، حتى توليت منصب مدير عام معبدالأقصر في فبراير 2016، وقررت المطالبة رسميًا بترميم التمثال، وكان دافعى لتنفيذ المشروع هو أن كتل التماثيل نفسها كانت موجودة، فضلًا عن معاصرتى ومشاركتى في ترميم الكثير من التماثيل في أماكن عدة مثل معبد«موت»، جنوب معبدالكرنك، وفى هذه العملية قمنا بترميم عدد من التماثيل وتجميعها، وفى الغرب تم ترميم تماثيل لأمنحتب الثالث، وهو ما منحنى دافعًا لتنفيذ مشروعى، وكنت دائما أتساءل لماذا لا ننفذ الفكرة نفسها ونغير الواجهة التاريخية لمعبدالأقصر، فإعادة ترميم أحد تماثيل ملوك مصر العظماء وهو الملك رمسيس الثانى وزوجته الملكة نفرتارى في واجهة معبدالأقصر الأمامية، يعد حدثا تاريخيا مميزا وفريدا، فالملك رمسيس الثانى، وهو من الأسرة الـ19، وحكم مصر نحو 67 سنة، وكانت لدينا مسلتان، واحدة منهما لاتزال موجودة والأخرى أهداها محمد على إلى لويس التاسع وتزين ميدان «كونكورد» في باريس حاليا، وهناك 4 ساريات أعلام تتصدر الواجهة أو البيلون الأمامى للصرح الموجود.
■ كم مرة عرضت فيها تنفيذ هذه الفكرة على المسؤولين؟
- أكثر من 5 مرات، وعندما كنت أعرض الفكرة لم تكن هناك وزارة للآثار، وكان المعنى بشؤونها المجلس الأعلى للآثار، وكل مسؤول كان يرغب في تنفيذ الفكرة لكنه كان يفتقد الجرأة في الإقدام عليها، والحقيقة ربما قد كان في هذه الفترات لدينا الإمكانيات المادية الكافية ولم تكن الكفاءات العلمية متوفرة، وفى النهاية الحمد لله نجحنا في تنفيذها.
■ قبل البدء في عملية الترميم ألم تنتابك أي مخاوف سواء من الانتقادات المتوقعة أو الضرر المحتمل وقوعه عليك إذا فشل التنفيذ؟
- لا لم أخش أي شىء، لأننى واثق تمامًا من قدراتى وقدرات فريق العمل المشارك معى، فنحن جميعا لدينا خبرة كبيرة في هذا المجال، وتمت عملية الترميم بأحدث مستوى من التقنيات العلمية، بجانب أن الأثريين المصريين المشاركين جميعهم كفاءات عظيمة، والمهندسين المصريين والعمال والملاحظين والفنيين وكل من أسهم في ترميم التمثال على درجة عالية من الكفاءة، ونحن فخورون بأن هذا العمل نتاج مصرى فقط، وأثبتنا به أننا نستطيع أن ننجح دون الاستعانة بالأجانب، والحمد لله، نجحنا خلال 6 أشهر فقط عن طريق العمل المتواصل ليلًا ونهارًا، وأريد التأكيد على أن أعضاء فريق العمل المصرى المشارك في ترميم هذا التمثال مدربون على أعلى مستوى مع مركز البحوث الأمريكى وحاصلون على دورات تدريبية مكثفة، ولديهم خبرات سابقة واستخدموا أحدث تقنيات الترميم، وجميعهم من الشباب في الثلاثينات وقد يكونون غير معينين رسميًا في الوزارة.
■ وكيف تم تنفيذ الفكرة هذه المرة؟
- تم تكليفى بإدارة معبدالأقصر منذ فبراير 2016، وبعد أن توليت منصبى كتبت مذكرة في 10 إبريل 2016 لمدير عام آثار الأقصر، الدكتور مصطفى وزيرى، طالبت خلالها باستكمال أعمال الترميم والصيانة لأحد تمثالى «رمسيس الثانى» ووضعه في مكانه الطبيعى، وتم طرح الفكرة، لكن كان في مخيلتنا أن البعثة الأجنبية ستساعدنا مادياً، لكن البعثة الأجنبية لم تضع هذا التمثال في برنامجها، لأن كل بعثة يكون لها برنامج عمل كل عام، «وبيجيبوا فلوس على أساسه»، وعندما عرضنا الفكرة على إحدى البعثات قالت إنه لم يتم وضعه في البرنامج، فقررنا القيام بفكرة «مجنونة»، كان دافعنا إليها أن التمثال الموجود عبارة عن قطع على المصطبة، «جبنا المعدات من الكرنك وشلنا الكتل كلها من على المصطبة، ثم أحضرنا رملة وفرشناها على الأرض، وقلنا نرص التمثال على الأرض، وذلك بحضور المرممين والأثريين مع بعض، كل واحد يلاقى حتة يحطها»، حتى نجحنا في تجميع التمثال، وذات يوم كان الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، والدكتور محمد بدر، محافظ الأقصر، في زيارة إلى معبدالأقصر، وأحضرنا التمثال والرمال وجمعنا الأجزاء على الأرض، وعندما شاهد الوزير وجه التمثال أبدى إعجابه بالعمل، فالتمثال كانت ابتسامته رائعة جدًا، فوضع الوزير يده على كتفى وقال: «إنتوا بتغيروا وجه التاريخ يلا اتوكلوا على الله»، وكان المحافظ موجودا في هذه الزيارة، فقال لنا: «لو احتاجتوا أي حاجة ممكن أساعدكم فيها»، ظننت في البداية أن هذا الكلام لن ينفذ لكنه كان دافعنا في البدء في التنفيذ، وفى اليوم التالى اتصل المحافظ بالدكتور مصطفى وزيرى، مدير عام آثار الأقصر، وقال له اكتبوا مطالبكم، ونفذنا ما طلبه المحافظ، وأرسلنا خطابا بما نحتاجه لمكتب المحافظ، وفوجئنا بأنه خلال أسبوع واحد فقط تم توفيرها، وبدأنا العمل.
■ وما هي تكلفة إجراء عملية الترميم؟
- لا أستطيع التحدث عن مبلغ معين، لأننى فعليًا لم أحصل على أموال في يدى لإعادة التمثال إلى النور، ولم أحرر أي مستخلص مالى كى أعرف التكلفة الفعلية، بل من قام بإمدادنا بالمواد والخامات والإمكانات التي نحتاجها للترميم هو الدكتور محمد بدر، محافظ الأقصر، بما قد يعادل 150 ألف جنيه.
■ ومتى بدأتم عملية الترميم؟
بدأنا منذ نحو 6 أشهر، مقسمة لـ3 أشهر لتجميع التمثال و3 أشهر للترميم، والتركيب على القاعدة، ففى يناير الماضى، بدأنا وضع التمثال على القاعدة، وكنا نعمل منذ نوفمبر 2016 على تجميع ولصق كل القطع الفرعونية عن طريق ورشة عمل.
■ كم عدد المشاركين في إعادة هذا التمثال إلى النور مجددًا؟
- فريق العمل المشارك في عملية الترميم مكون من 50 فردًا، أثريين ومرممين، ومهندسين، وعمال، لا يستطيع أي أحد منا العمل بمفرده، فحتى العامل لا أستطيع أن أنكر دوره، لأن بدونه لا أستطيع إتمام عملى.
■ وهل شاركت أي عناصر أجنبية في هذه العملية؟
- إطلاقا، فعملية الترميم من البداية إلى النهاية، تمت بأيد مصرية خالصة.
■ وكيف تأكدتم أن هذا المكان هو مكان التمثال؟
- منذ أيام الحملة الفرنسية وواجهة المعبدلا يوجد بها تماثيل لرمسيس الثانى، لكن واجهة المعبدموجودة على ماكيت المعبدفي الركن الجنوبى الشرقى من صالة الملك رمسيس الثانى، ماكيت الواجهة الأمامية، المكونة من مسلتين و2 جالس و4 واقف وسارية الأعلام، بالإضافة إلى أن قواعد التماثيل مازالت موجودة وتم الكشف عنها خلال أعمال الحفائر، قاعدة التمثال موجودة أمام البيلون، لذا عندما بدأت أعمال الحفائر كشفت بقايا التماثيل، لأن الواجهة الأمامية كانت عبارة عن منازل الأهالى، وكانت هذه التماثيل تحت الأرض، وبعد الانتهاء من أعمال الحفائر التي دامت لعامين خرجت بقايا التماثيل وتم وضعها على المصاطب.
■ ألم تؤثر عملية الترميم على السياحة وزوار المعبد؟
- لا تماما، لم يشعر بنا أحد أثناء فترة العمل لأن الورشة التي كنا نعمل بها كانت من الناحية الغربية، لذا لم نعطل المعبدنهائيًا طوال فترة العمل، ولم يشعر بنا أحد تماما، لكن الناس شعرت بنا أثناء عملية تركيب الكتل على القاعدة في المرحلة النهائية، وللتوضيح فالزائرون كانوا سعداء بطريقة عملنا وأثنوا عليها، ومن ضمن الزوار الذين حرصوا على زيارتنا مديرة عام منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة «يونسكو»، ايرينا بوكوفا، أثناء زيارتها الأخيرة إلى مصر، ورأت التمثال وحرصت على التقاط صور بجانبه، وأثنت على عملنا جدا، كما أن زوار المتحف شاهدونا أثناء عملية رفع كتل التمثال، وكانوا يصفقون لنا.
■ من أي أنواع الحجارة يتكون تمثال «رمسيس الثانى»؟
- الجرانيت الأسود.
■ كم يبلغ ارتفاع التمثال؟
11.70 متر.
■ ووزنه؟
نحو 75 طنًا.
■ وكم قطعة قمتم بترميمها؟
- وجدنا 60% فقط من أجزاء التمثال و40 % كانت مفقودة، لذا رممنا نحو 57 كتلة من الجرانيت الأسود، وهذا النوع من الجرانيت ليس من السهل التعامل معه، إلا أن كل الجهود تكللت بالنجاح.
■ ما هي خطوات عملية الترميم والرفع؟
- قمنا بترميم الأجزاء الفرعونية الموجوده بالقاعدة، بعد الانتهاء من عملية النظافة والترميم والتركيب، وبدأنا بقاعدة التمثال، التي استكملنا أجزاءها الناقصة بنفس موادها، ولم نقم بتركيب التمثال كجزء واحد، بل تم تجميع التمثال كأجزاء صغيرة ومن ثم تم تجميعه على القاعدة، وأول جزء بدأنا ترميمه بعد الانتهاء من ترميم القاعدة هو تمثال الملكة نفرتارى، لوجود جزء من قاعدته مرتبطًا بقاعدة التمثال، بجانب القدم اليسرى للتمثال، ثم البطن ثم الصدر ثم الذراعين والرأس، وهى كانت كتلة واحدة، وتزن 12 طنًا، وتم رفعها باستخدام «واير حرير» لأن له صلابة وقوة تساعد على رفع الكتل الضخمة، وفى النهاية تاج التمثال الذي كان يزن 2 طن، وهو آخر قطعة وضعناها.
■ ما هي الصعوبات التي واجهتكم أثناء عملكم؟
- أولا توفير المواد، بسبب ارتفاع أسعار مواد الترميم، ثم عملية «التخريم واللصق ووضع أسياخ الاستانليس في حجر الجرانيت، وهى عملية صعبة جدًا ومرهقة.
■ بعد نجاحكم في ترميم هذا التمثال، هل لديكم نية في ترميم التماثيل الأخرى لرمسيس الثانى، أو غيره من ملوك الفراعنة؟
- بالتأكيد، فمثلما نجحنا في ترميم هذا التمثال بإذن الله لدينا رغبة قوية لاستكمال باقى التماثيل، والوزير يدعمنا أيضا لنستكمل ترميم التمثالين الموجودين في الجانب الشرقى.
■ كيف تم العثور على تمثال رمسيس الثانى المتهدم؟
- في الخمسينيات، وتحديدا عام 1958، كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أعطى مبلغ 10 آلاف جنيه إلى عالم الآثار المصرى، الدكتور محمد عبدالقادر، للقيام بعمل حفائر أمام الواجهة الأمامية لمعبدالأقصر والكباش، وكانت نتيجة أعمال الحفائر العثور على بقايا الـ3 تماثيل، المتهدمين، التي تمثل الواجهة الأمامية، ومن ثم وضعها على مصاطب، أمام الواجهة الأمامية للمعبد، والتى لا تزال موجودة حاليًا على مصاطب في المعبد، وكان من بينها هذا التمثال الذي قمنا بتجميعه وترميمه، لنجعله يرى النور مجددًا منذ العثور عليه قبل 59 سنة.
■ ومتى تهدمت هذه التماثيل وما أسباب تهدمها؟
- منذ نحو 1600 سنة، وأغلب الصور التي تمثل الواجهة الأمامية لمعبدالأقصر منذ أيام الحملة الفرنسية لا توجد فيها أي تماثيل في الواجهة، وكان الموجود منها في الوقت الراهن هو التمثالان اللذان يمثلان رمسيس الثانى جالسا وهما من الجرانيت الأسود، وواحد من الـ4 الواقفة من الناحية الغربية لايزال موجودًا، ونحن رممنا التمثال الغربى الثانى، وهو من الجرانيت الأسود، أما وقت وأسباب تهدمها، فكانت في القرن الرابع أو الخامس الميلادى، وتعددت الروايات ما بين الزلازل أو بعض الأشخاص في العصر الرومانى مثلا، أو مثلما ذكر الدكتور محمد عبدالقادر أن يكون سبب هذا التدمير هو الوثنية، والحقيقة أن علم الآثار قائم على الاحتمالات، لكنى أرى أنه من الأرجح أن يكون قد وقع تدمير في أحد العصور مثل الغزو الرومانى، لأنهم حولوا المعبدوقتها إلى «إسطبل»، وكانوا يحاولون طمس حضارة البلد وتدميرها.

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي

Disqus Shortname

نظام التعليقات