معـــركة الخلود
(مجــــدو(
كتب : نزيه سليمان.
"زخارف
الدّنيا أساس الألم، وطالب الدنيا نديم الندم فكن خليّ البال من أمرها، فكلّ ما
فيها شقاءٌ وهمّ."
ولكنها الحياةُ على كلِ حال تأخذكَ في وقتِ قوتكَ وزروة حياتكَ لتلقي بك حيث تشاءُ فتخطفُكَ الطيرُ او تلقي بكَ الريحُ في مكانٍ سحيق، فلا يأمنُ مكرهَا صديقُُ ولا يقوى على ردِها قويُُ او صديدُُ، فأينما ادارت وجهه حملت معها الاشخاص والنفوس وايما ادارت ظهرها طوت الاخضر واليابس واشعلت الماء جمرا وحولت الرياح كُسبا.
وما ينجو من الدنيا إلا من باع نفسه لله
وجاد بروحهِ حيث يبخل الباخلون، فيجود بالنفس ان ضن الجواد بها والجود بالنفس اسمى
غاية الكرمِ، حينها تُرد الأسهم إلى أعنتها وتمضي الأمور حيث شاء الذي خلق الخليقة
وانتقى منها من ينذرُ البشرَ، فلا يُرد علي الباطل بباطل مثله انما يرد عليه بالحق
فيزهقه فإذا هو ذاهق، ويرد علي سوءِ الخُلق بحسنِ الخلق فيأتي الأمر من السماء يا
عبادي لا خوفُُ عليكم ولا أنتم تحزنون، واللينُ ردُ اللينْ فإن ترد الماء بالماءِ
أكيس.
و العالم الذي تسيطر عليه الفوضى لا يعدو
أهله الا أن يكونوا غوغاء لا قيمة لهم، ولا يعدُ الذئب إلا على الشاة القاصية،
بينما لا يولد الرجال إلا وقت المحن والشدائد، فكل ابن محنة جلِد.
وفي العالم الذي تحجب فيه الحقائق، وتمنع
فيه الحقوق من أهلها، وتغتصب الافكار ويوكل الامر الى غير اهله، هناك بعيد عن هذا
يكون المظلوم والمقهور ينتظر العون الالهي ليسترد حقه ويستعيد افكاره ويعيد ما هو
له.
هكذا كان هذا الصقر الجامح قبل اكثر من
اربعة الف عالم من الآن ينتظر أن يسترد حقه ويعيد عرشه الذي سيطرت عليه زوجة ابيه.
إنه تحوتمس الثالث، فرعون مصر الاعظم على مر
تاريخها الحافل، واقوى من ألت اليه مقاليد مصر في تاريخها القديم.
استحق تحوتمس الثالث حكم مصر بعد وفاة
ابيه لكن كان لا يزال صبيا فحكمت زوجة ابيه "حتشبسوت" كوصية على عرش
مصر، لكنها وبشكل ما استولت على حكم مصر وابعدت تحوتمس الثالث عن ساحة الحكم، ثم
نسجت قصصها التي ارادت منها اقناع الشعب بقبول حكمها، فنسبت نفسها الى المعبود
"آمون" وادعت انها ابنته، ثم تقلدت ملابس الرجال وتشبهت بهم في زيها،
وقربت منها رجالها المخلصين امثال "سننموت" لمساعدتها في السيطرة على
الحكم، وفي الاوطان التي تتقبل شعوبها أي شيء يسهُل كل شيء.
ارسلت الحملات التجارية الى بلاد بونت
والسودان وغيرها، وبنت المعابد الكبيرة مثل معبد الدير البحري، لكن على الجانب
الاخرى فقدت مصر الكثير من الاراضي في الشمال نتيجة لسياسة الملكة المسالمة وتجراء
على ارض مصر الكثير من المدن واستولت على اراضي مصر الشمالية قوة ما كانت تستطيع
ان تتخيل وجود كيانها من قبل.
في هذا الوقت تحول اهتمام تحوتمس الاكبر
الى الجيش فتدرب جنب الى جنب مع الجنود واكتسب حبهم وثقتهم، وبدأ في تكوين فرقاً
حربية قوية داخل الجيش الذي ظل طوال فترت حتشبسوت في ثبات تام وسلام دائم.
في حوالي عام 1460 ق.م توفيت حتشبسوت أو
سُلمتَ روحها نيابةً عنها، في ظروف غامضة، تاركة عرش مصر المهدد من الشمال واراضي
مصر المتنزعة من المدن الشمالية تحت حكم تحوتمس الثالث الرجل الذي اغتصبت منه
العرش سابقا.
بعد أن استولى على حكم مصر استعد على
الفور لحملته الاولى على فلسطين والمدن الكنعانية لانه عرف منذو الوهلة الاولى له
أن مصر تحتاج الى محارب وملك ليعيد لها مجدها السابق ويبني لها مجدا جديد
وامبراطورية شامخة، خرج الفرعون على رأس عشرين الف مقاتل في حملته الاولى من بين
سبعة عشر حملة الى الشمال.
في حربه تلك استخدم تحوتمس الثالث الكثير
من التكتيكات الحربية الجديدة التي باغت بها العدو، كما استخدم السفن لنقل الجنود
بشكل اكبر عن ذي قبل كما حمل جنوده القوارب الصغيره لاستخدامها في الانهار والبحار
خارج حدود مصر، كما اسس شبكة من الجواسيس للتجسس على العدو اثناء الحرب ومعرفة
عددهم وعتادهم واماكن تمركزهم.
لم يكن تحتمس بارع فقط في نقل وتنظيم
الجنود وكسب حبهم وثقتهم بهم، بل كان بارعا ايضا في اختراع اسلحة جديدة ودورع
برونزية قوية واقواس مركبة وفؤس ذات اشكال جديدة اكثر فتكا.
إن اكثر حروب تحوتمس قوة هي معركة مجدو،
واجه فيها قوة حربية كبيرة من مدن فلسطين وكنعان وكثير من المدن الاخرى التي ثارت
تحت قيادة الكنعانين، بينما تحرك تحوتمس الثالث بجيشه قاطعاً الصحراء لمواجهة عدوة
الذي تمركز بالقرب من مدينة مجدو المحصنة، قسم الكنعانيين انفسهم الى قسمين تمركزا
شمال وجنوب المدينة حيث الطرق التى تؤدي الى المدينة والتى من المؤكد أن يسلك
تحوتمس وجيشه احداها.
في مدينة ياما القريبة من مجدو اجتمع
تحوتمس الثالث بقادته العسكريين ليتناقشوا في كيفية الهجوم واختيار طريق للهجوم،
وبالنظر الى مجدو نجد طريقين يمكن للجيش المصري العبور خلالهم وهو على تشكيله
العسكري الكامل، وممر في وسط الجبل لا يسمح الا بمرور عجل حربية واحدة، واثناء
النقاش يقص علينا الكاتب الذي اصطحبه تحوتمس الثالث معه "توناني" الحديث
الذي دار بين القادة العسكريين والفرعون، فقد اختار تحوتمس أن يعبر الممر الضيق
لكن القادة اختلفوا معه وقالوا أن هذا خطر كبير على الجيش، ولكن هذا ما جعل تحوتمس
الثالث يصر على تنفيذ خطته، لأنه علم أن العدو يتوقع مثل ما يتوقع قادته فهنا توجه
بنفسه الى جنوده واقسم على عبور الممر وخاطب جنوده قائل انا ابن الاله رع ومحبوب
امون ثم شرح لهم خطته واقسم امامهم ان يتقدمهم في عبور الممر ثم قال من شاء ان
يتبعني فليتبعني ومن شاء الرجوع فليرجع، فرد عليه الجنود قائلين سوف نتبعك الى اي
مكان تريد.
أنها اخطر لحظات المعركة على الاطلاق، جيش
بالكامل معرض للخطر في مضيق واسع المطرد ضيق المهرب، وجنود تحمل عجلاتها الحربية
لان الخيول لن تستطيع جرها، ووقت غير قليل ليعبر هذا الجيش ذلك المضيق، بدأ الجيش
في العبور نهارا وتمكنوا في المساء من اجتيازه، فعسكروا بين فرقتي جيش العدو
المتمركزتين على الطريقين الشمالي والجنوبي، وفي الصبح ومع بدأ شعاع النهار تفاجأ
العدو بجيش المصريين الذي ظهر من العدم، فتخيلت كل فرقة من جيش العدو هزيمة
اصحابهم على الطرف الاخر ووقع الوهن في قلوبهم، وبدأ الجيش المصري في الفتك بهم،
غير أنه حدث شيء غير متوقع اثار غضب الفرعون تحوتمس الثالث.....!!
فبمجرد أن راي العدو جيش مصر تركوا عجلاتهم
الذهبية واحصنتهم واسلحتهم وفروا لينجوا بحياتهم، وتوقف جنود مصر عن القتال وراحوا
ينهبون العدو وسمحوا لهم بالفرار والتحصن بالمدينة مما اثار غضب الفرعون.
كادت المعركة تنتهي لولا سماح الجنود
للعدو بالفرار مما اضطرهم لحصار المدينة وتضيق الخناق عليها لمدة سبعة اشهر حتى
سقطت المدينة، ثم اقتحم المصريون المدينة واستولى على حوالي 900 عجلة حربية ومئتي
درع والفي حصان، وبدأ الجنود في قطع ايدي الجنود القتلى من العدو ليقدموها للفرعون
ليعلموه بحصيلة الحسائر في العدو.
لك ان تتخيل جيش كامل يعبر مضيق ضيق،
يتقدمه الفرعون بنفسه ليشجع جنوده وفي الحرب يتقدم الصفوف ويتقحم ويوغل في العدو،
حتى يتمكن من احراز نصر لبلده.
أنه حقا فرعون مصر الاعظم على مر تاريخها القديم.
أنه حقا فرعون مصر الاعظم على مر تاريخها القديم.
مشاركتك للمنشور هي الدافع لتقديم المزيد .....برجاء اضف اصدقائك
للجروب
للصفحة
0 التعليقات :
إرسال تعليق